الأربعاء، 15 يونيو 2016

خيال لمبة: قصة عِند وجَزّ سنان للكبار فقط جزء (6)

خيال لمبة: قصة عِند وجَزّ سنان للكبار فقط جزء (6)

  
          

الكاتب بسام نبيل كاتب ومفكر مصرى

بصّيت فى المراية العريضة اللى عرابى كان معلقها مكان مراية العربية الأصلية. كان فيه وش تانى عايز يطلع من عينى الشمال، وكان فيه دم نازل من راصى على حواجبى وحبة دم تانين بتوع الواد اللى خد الروصية. كان فيه كَلّو إبن متناكة فى راصى، مشيت بصوابعى على الجرح وعرفت إنه بينزف بس مش كتير. ماكنتش عارف أحدد الجرح كان أد إيه، كنت حاسس إنه بين ستة سَنْتى وأربعة كيلو. الدنيا ماكنتش حقيقية، كأنى فى حلم وكل حاجة حوليا كانت منغبشة. خدت بالى إن عرابى بيكلمنى.
“إيه، فيه حد ورانا؟”
“بشوف المهرجان اللى إتعمل فى خلقتى ده.”
“بسيطة يا عم، إحمد ربنا إن ماحصلكش أكتر من كده ولحقتك.”
“إبتدينا.”
“الحق على دين أمى، انا إبن متناكة اساساً عشان عايز أطمنك.”
“ياسيدى إنت برنس وعم اللى خلفونى كمان. إخرس بقى عشان عندى صداع وجسمى مخلع.”
الصيدلية بتفتح أربعة وعشرين ساعة والواد اللى بيقف باليل صاحبى وجدع وبيطلعلى ترامادول. دخلنا شارع الصيدلية الضلمة، كان متفرع من حسنين الدسوقى اللى كان على طول فيه ناس. مسحت الدم من وشى بمناديل وإستحملت هَبْدة العربية لما عرابى ماخدش باله وخيّش فى نقرة. طلعت سلم الصيدلية ساند على عرابى وكنت بفكر فى مليون حاجة. الموقف كان خرى بالكزبرة، معنديش أى فكرة مين مع مين ودخّلت نفسى فى حوار إبن وسخة مش عارف آخره إيه. كان نفسى أغمّض عينى ولاقى نفسى فى السرير، من غير مايطلع عندى كسر ولا قطع، من غير ماروح مستشفى، ومن غير ماحتاج أشرح أى حاجة لخالى.
دخلنا على أكرم، كان قاعد مفنْيخ قدام شاشة كومبيوتر، مشغل منير وقاعد على النت. من غير مايبصلنا قال بملل “مابنبعش دوا كحة.” خد باله منا وبصلى كأنه طول عمره متوقع إنى هاخش عليه بالحالة دى فى يوم من الإيام.
“أخو مروة مسكك معاها؟”
“إنت قديم نيك.”
“عملت فيه إيه ياعربى؟” سأل بس ماكنش مهتم.
عرابى بصله ببراءة، عمل فيها متواضع وماقلش إن هو اللى أنقذنى. أكرم قعدنى على كرسى ورا ستارة عملها عشان يدّى حقن من غير ما نص الشارع يشوف طيز الزبون. إتعامل معايا كأنه حلاق مبرشم: إمسك دى على عينك، وطى دماغك شوية، حاسب هارش مطهر، ده هايحرق، تعالى كده، مش محتاجة خياطة، خد الشريط ده وبقى حاسبنى، هات دراعك، بسيطة ماتبقاش سيس كده، فكه بعد يومين. عرابى كان واقف بيتفرج بإحترام. كان ديماً بيقدّر علم و”دكْترة” أكرم مع إنه لسه ماتخرّجش.
“مابتبيعش حاجة ساقعة؟” بص حاوليه وبعد كده قال بسرعة “أو عصير.” أكرم إتْجاهله وكمل شغله ببرود. “طب انا رايح أى كشك عشان عطشان، أجبله حاجة مِسَكّرة يادوك؟” أكرم هز راصه “وهاتلى انا كمان واحد مولتو أزرق.” طلبت من أكرم نقعد عنده حبة، وافق. كان بيحب يبقى معاه حد باليل عامل دوشة فى المكان وخلاص.
قعدنا بين رفوف الأدوية والشامبو ناكل المولتو ونشرب العصير. كنت كل شوية أفتكر ربطتى فى المخزن تحت النور الباهت، وكنت بشفُط العصير بغّل عشان أفكر نفسى إنى هربت، وإن الموقف ده خلاص عدى. فضلت أتكلم انا وعرابى فى حوارنا وأكرم على الفيس بيسمعنا أكنه بيسمع راديو. ممكن كنت بعزّه عشان كده، راضع ثبات إنفعالى.
قعدت أسمع عرابى وألعب فى البلاستر اللى بين شعرى، كان عمّال يقنعى بإننا لازم نجيب نهى من شعرها ونقررها، ولازم آخد بالى عشان العيال شافوا بطاقتى وعارفين انا ساكن فين، لازم نجيب الرجالة وميكروباص وندغدغ المحل على دين ابوهم، لازم ندفع فلوس للرجالة، لازم أستريح الأول طبعاً، ولازم يجيب عصير تانى عشان لسه عطشان.
كالعادة كان عنده حق فى حاجات كتير. راح الكشك تانى وسابنى سرحان. بصيت لأكرم أشوف لو عايز يقولى حاجة، كان مِركّز مع أغنية معرفهاش لمنير ومش معايا من أصله. يا نجوم الليل يا عيون سهرانة. أول حاجة كان لازم أوصل لسوسته، على عكس كلام عرابى، الغشومية مش هتنفع والعيال طلعوا مجرمين ومش فارقة معاهم، وانا بالرغم من كل حاجة مش عربجى ولسه عندى أمل ضعيف فى مستقبل مش عايزه يضيع. والدنيا قليل تضحك ويّانا. انا عرفت أوقّع بينهم بس لو قعدوا مع بعض الموضوع هايتْحل. أوصل لسوسته إزاى؟ قلبى مزامير بتغنى يا خال. المفروض إن خالى نايم دلوقتى، انا معايا المفتاح، مش هياخد باله، هانام ولما أصحى بكره هايكون راح الشغل. وبكره؟ هاتصل بنهى ونكشف ورقنا بقى. والحب ده طير فالهوا رحّال. شنبو وطقم الشاهين لازم يتراقبوا، صحيح مش عايز أحْتك بيهم تانى دلوقتى بس لازم يبقوا تحت عنينا. بدل مابْقى خايف هايجولى المنطقة إمتى، هاخلى عرابى يكلم أى حد معرفة من المنطقة عندهم يتابعهم. وعلى حسب كلام نهى هانتصرف معاهم بعدها. فكرة إنى أنفّض للموضوع كله وأتمنى إنه يختفى كانت مرفوضة، أحسن وسيلة للدفاع الهجوم على رأى برنس الحروب نابوليون، ده غير إنها قفّلت معايا خلاص ولازم أعرف الحقيقة. دانا واد خَيّال عاشج الترحال على جَد الحال. صحيح، كنت عايز أتصل بفوئش أشوف عمل إيه فى موضوع اللابتوب، عشان لما أشوف نهى يبقى عندى ورقة ضغط لو حاولت تتشرمط عليّا. مواعيد مواعيد كله بمعاده.
عرابى رجع وكان باين إنه عايز يمشى. وانا خلاص كنت جبت جاز ومش هاقدر أعمل أى حاجة تانى الليلة دى. حاسبت أكرم من فلوس “المهمة” وحطيت الباقى فى المحفظة وانا مدّى ضهرى لعرابى. خرجنا فى السقعة، المطرة كانت وقفت من بدرى وكان فاضل بس البرك والطين اللى سابتهم وراها. عرابى قرر يوصلنى لبيتى من غير ماطلب منه، للأسف كان جدع برضو.

“هتعمل إيه؟”
“النهار ليه عنين.”
“هو انا بقولك نجيب عيال ونروح نضربهم دلوقتى؟”
“مش قادر أفكر حتى يا عرابى.”
“ماشى، بس ماينفعش نستنا كتير، لو…”
“إنت جبت الفرد منين؟” كنت عايز ألهيه عن حوار المعركة اللى عايز يعمله ده.
“فرد إيه؟” عمل عبيط.
“ده.” شاورتله على الفرد اللى كان مرمى على الدواسة تحت رجلى.
“أه، ده فرد إحطياتى كده لقيته فى العربية.”
“يا سلام.”
“بقولك إيه، ماتقعدش تعملى فيها عم الناظر، لولا الفرد ده كان زمانك متْشرّح بكَتّر.”
“طب انا هاخده معايا.”
“هاتعمل بيه إيه؟”
“هصتاد بط.”
“هيع هيع، مانتا لو عايز تتصرف لوحدك مش هديهولك، إنت إبن ناس برضو ومش هتعرف تسد مع العالم دى.”
كنت هاقوله مافيش إحترام للأشقيا، وبعدين إفتكرت.”يا عم مش عايز أمشى من غير سلاح بعد النهاردة، إستريحت؟” كنت عايز الفرد عشان مايبقاش مع عرابى وخلاص. كنت عايز أضمن إنه مش هيتجنن الكام ساعة الجايين وانا نايم. إقتنع، وحسيت إنه راضى عن نفسه نيك بعد مافتكر إنى مهزوز وخايف من العيال، إشطة عملت اللى انا عايزه برضو. وعشان أشغله فى حاجة ليها فايدة قلتله على حوار مراقبة العيال. عجبه الموضوع ووعدنى إنه من الصبح هايزبط الحوار. خليته يقف برا شارعنا عشان مايصحّيش العمارة كلها من صوت الماتور. خبّيت الفرد تحت البالطو وسندته بدراعى المربوط. سلمت على عرابى ونزلت.
مشيت على مهلى لبيتنا. ماكنش فيه حد فى الشارع. مافيش غير صوت ونور خُفاف جايين من صالة بلياردوا فى العمارة اللى جنبنا. بصّيت على شباك أوضة خالى، النور كان مطفى. القمر كان باهت، عامل زى ختم الحكومة، ليلة تانية خلصت، روّح نام.
دخلت من باب العمارة وإرتحت، كنت خايف حد يشوفنى كده. كان عندى شعور إبن شرموطة بالغضب والعجز، حسيت كأنى واحدة إتْعاكْسِت. طلعت السلم الضيق واحدة واحدة. كل خطوة كانت بتوسوسلى، فكك من أم الحوار ده كله، إديك طلعت منه بقرشين وعلقة تفوت ولاحد يموت، نــــــــــــــــام.
مسحت الجزمة فى الدواسة وقلعتها، كنت هاقّع بس سندت على الحيطة بدراعى المربوط والفرد هو اللى وقع منى على بلاط السلم. إستنيت شوية، ماكنش فيه صوت. خدت الفرد وفتحت الباب وانا ماسك بقيت المفاتيح عشان متشخللش. مشيت فى الضلمة ناحية أوضتى. كل خطوة للسرير كانت بتخلينى عايز أنام أكتر، أكنّى مزنوق وعايز أخش الحمّام. خالى كان نايم وصوت شخيره، اللى عادةّ بيبضنى، كان بالنسبالى زى الموسيقى. يشَخَّر أحسن مايشخُرلى.
قعدت سبع ساعات أقلع هدومى. كل حاجة بقلعها كنت بلاقى تحتيها كدمة او جرح. خبّيت الفرد تحت السرير ونمت من غير مالبس حاجة وإكتفيت بالبطانية. أول مافردت رجلى حسيت إن السرير بيسحب الوجع من جسمى. كنت لسه سامع أصوات ودوشة اليلة السودة دى فى ودانى، بس بعد شوية ماكنتش موجود عشان أسمع أى حاجة.
كنت واقف تحت برج من أبرج عثمان ببص على جثة شنبو اللى كانت فى نص الشارع. عواميد النور كلها كانت بتشاور عليها، كإنها على مسرح. كان فيه بوكس جاى ناحيتى من آخر الشارع. إزاى لحقوا؟ مش انا اللى قتلته، بس مش هاينفع أفتن على عرابى. جريت ناحية جراج البرج ونزلت بسرعة قبل ما البوكس يشوفنى. صوت جزمتى على مَنْزَل الجراج كان بيهز البرج، سمعت أصوات جزم تانية ورايا. كان واحد بس فى أول الممر، وشه مش باين. فضلت أجرى وهو ورايا. كنت سامع صوت حيوانى طالع منه، صوت نَفَسُه بقى أعلى من صوت جِزمْنا خلاص. بصّيت تانى وريا وشوفته على حقيقته، كان وحش أسطورى إبن متناكة، جسمه جسم أمين شرطة وراصه راص كلب مكافحة مخدرات. إفتكرت إن معايا الفرد وفرحت نيك. طلّعت الفرد من البالطو ولفيت دراعى ناحيته. كان بيقرب منى خلاص وفى آخر كام خطوة جرى بإيده ورجله وراح ناطت. الشاكوش دق والفرد فرقع فى وشه، طار مترين ووقع على ضهره. وقفت وحاولت أولع سيجارة بماسورة الفرد اللى كانت سخنة نار. الوحش إتحرك، رميت السيجارة والفرد وطلعت أجرى من غير مابُص تانى. كنت حاسس إن كل عفاريت الدنيا بتجرى ورايا. إستخبيت تحت عربية وبصيت ناحية صوت جزمته. شوفت حركة رجله العصبية وهو بيدوّر بين العربيات. الأول كنت فاكره بينهج وبعد كده فهمت. كان بيشمشم عليا. احا، هيعرف مكانى من ريحة الترمادول. كان بيقرب، حاولت أتحرك بس لما بصيت على جسمى إكتشفت إنى مزنوق تحت العربية. بصيت ناحية رجله تانى لقيت سنانه فوشى.
صحيت مخضوض. هَدّيت نفسى. بصيت للسما من ورا الشيش، احا نمت للفجر بس؟ كويس، حسيت إنى بعد أكلة حلوة هبقى مية مية وهفوق لولود الشرموطة دول. جسمى كان منمل وحسيت إنى هاكسّر السرير وانا بتمطّع. مديت إيدى وجبت الموبايل من على الأرض عشان أشوف الساعة كام بالظبت. كان فيه زبروميت مسد كول، والساعة كانت ستة المغرب. لسه هاشوف مين اللى كلمنى، فوئش إتصل والموبايل إتهز فى إيدى.
“كنت فين يا عم إنت؟”
“كنت نايم، وصلت لحاجة؟”
“مش هاتصدق لقيت إيه على اللابتوب.”
#راجع_ينتقم
#يتبع